في ذلك الوكر المظلم المليء بالمجون، وفي زاوية بها بقعة ضوء تعرف وجهتها جيدا، يرافقها صوت الأذان المسموع رغم أنوف مكبرات الصوت بالغناء الخارج عن نص الفطرة البشرية، تتحسس ألفاظ حي على الصلاة قلوب المذنبين، نعم هي قد تفعل وفي ذلك المكان تحديدا. أتعلمون رحمة الله تقذف في كل القلوب التي تحن لقربه رغم سوء صنيعها..
فهل يخرج الواعظون يوما من صومعتهم؟ ولماذا قلوبنا فرادى!
عذرا منكم لست بصدد نسج صوف الأعذار للفاسقين لألبسكم إياها صيفا، ولكني ألوم نفسي والخانعين عن تبليغ رسالة الرحمة لليائسين من جنة عرضها السموات والأرض، فالواعظ يلتصق بالمنابر ولا يبرحها، والدعوة إلى الدين تحتاجنا أن نهاجر قبل أن نهاجر، نهاجر في هذه الدنيا بحثا عن فعل الخير، قبل أن نهاجر إلى الآخرة..
نبحث في أوكار الدنيا الحالكة عن قلوب حائرة شريدة، تنتظر كلمات تخبرها أن الله يحب المذنين أيضا ويفرح بقربهم وإنابتهم، يكفيك أن تتلو آيات الله المتفجرة بالرحمة في قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}.
لماذا قلوبنا فرادى؟
وأنت ذاهب لأداء صلواتك؛ لا تنسى أن تنظر خلفك وتتفقد، ربما يكون خلفك ذاك معتاد الحانات، ينظر إليك وهو يحاور شيطانه قائلا لا فائدة، لقد انتهيت، كيف لي أن أقابله جل جلاله، ليعود أدراجه حيث كؤوس الندم والحسرة..
كم من ضعيف نفس ساقته مصيبة أو نكبة إلى المعاصي، ربما صديق سوء أو شهوة، ليجد نفسه غارقا، ينتظرك أنت لتخبره أنه بخير، ما دام ربه الله الرحيم، الرسالة ليست حكرا على رجال الدين، بل مهمة كل موحد مؤمن بنبيه الأمي صلى الله عليه وسلم.
رحمة الله قد تقذف في جميع القلوب، وتصل إلى أظلم الأماكن، وأضعف الأشخاص، وكم من مذنب حرقت عبراته ذنوبا كالحبال، وأناب إلى الله وغدى من الأخيار،..
تفحصوا وتفقدوا بعضكم، وأصلحوا التوايا، وتذكروا أن يد الله لا تضرب بالضرورة الحانات، غفر الله لي ولكم كل تقصير عن نصرة هذا الدين العظيم.