يقول هوراس مان: “العادات تشبه الحبل الغليظ، ننسج أحد خيوطه كل يوم، وسرعان ما يستحيل قطعه” (ستيفن كوفي، العادات السبع للناس الأكثر فعالية | ص: 58).
لا يولد الإنسان كامِلاً، بل هو الحيوان الوحيد الذي يحتاج إلى رعاية واهتمام منذ الولادة وحتى مرحلة النضج، جسميا وعاطفيا.
وبهذه الخاصية فإنَّ هذا الكائن الذي نسميه بـ: الإنسان، هو الأكثر حاجة وقابلية لتبنِّي العادات على اختلافها، تلك التي تحدد اتجاهه ومآله في الحياة بشكل عام، وهي التي ترسم ملامِحَ شخصيته على نحو جادٍّ للغاية.
يختلف ستيفن كوفي مع المعلِّم العظيم هوراس مان في آخر سطر مِن هذه العبارة، إذ هو يؤمِن بأنَّ الكائن الإنساني قادر على قطع أيَّ حبلٍ يعترض نجاحه، حتَّى ولو كان عبارة عن عادة ترسَّخت عبر مرور الزمن بداخله.
لتصير فيما بعد عروة وثيقة الصلة بوجوده، يقوم بها بطرائق آلية خالية مِن أيِّ نوع مِن أنواع التفكير، فهي بمستوى أحد أشكال الإدراك، ووجه مِن أوجه الضمير.
أحد أصدقائي أحبَّ فتاة مِن أعماق قلبه، وراح يكلِّمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر هاتفه النقَّال كلَّ حين.
ومِن كثرة ترديده اليومي أو لنَقُل – اللحظي – لاسم هذه المحظوظة، فقد صار يخلطُ بين اسمها وأسماء النساء المحيطات به، مِن أخواته أو أمِّه، لقد تحوَّل اسم حبيبته إلى عادة بالنسبة إليه على سبيل المثال طبعا.
العادات السبع للناس الأكثر فعالية | تحويل التهديد إلى فرصة
ما هو خطير في مثل هذه العادات التي توتر الإنسان، هو قيامها بدور المثبِّطِ والعازلات في الكثير مِن الأحيان، بحيث يصبحُ مصيره بين هذه المتحكِّمات التي لا ترحم الآلة الإنسانية متى استحكمَت واستفردت بردود أفعال البشر.
بحيث يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو: “شخصيتنا تتجلى في أفعالنا المتكررة، ومن ثمَّ فإنَّ التميُّزَ عادة مكتسبة أكثر مِن كونها تصرُّفًا عارضا” (ستيفن كوفي، العادات السبع للناس الأكثر فعالية | ص: 58).
في هذه الحالة يحاول هذا الفيلسوف اليوناني أن يطبِّقَ القاعِدَة الأميركية القائلة: “عليكَ تحويل التهديد إلى فرصة”.
فبدَل الاستجابة إلى عادات صنعها غيركَ، وقُدِّمَت إليك لتجعلكَ فاشلاً، أو الرضوخ إلى عادات صنعتها بنفسِك ثمَّ تبيَّنَ لكَ أنَّها لا تخدُم أهدافكَ ومساركَ في الحياة، عليكَ أن تقومَ بصيانة أعماقكَ محاولاً خلق عادات جديدة لكَ، ترفع مِن همَّتِك مِن جهة، وتدفعُكَ إلى الابداعِ مِن جهات أخرى.
باختصار: يشير ستيفن كوفي بهذه الفكرة إلى أنَّ إمكانية صناعة شخصيتكَ ذاتيا قابلة للتطبيق إن توفَّرت لها الأرضية المناسبة، العزيمة القويَّة والعمَلُ الجاد كلَّ الجديَّة، تحت حماية الصبر الطويل والإصرار المرِن؛ كلُّ هذا يحتاج إلى شجاعة متفرِّدَة وطول نَفَس رهيب، بحيث تُصبِحُ عمليَّةً صعبة لا يؤدِّيها سوى القلَّة: إنَّهُم النبلاء صدقا وحقًّا.
ستيفن كوفي وصعوبة البدايات
يرى ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فعالية بأنَّ مرحلة الانطلاق في رحلة تغيير عادات الإنسان هي المرحلة التي تحتاجُ إلى جهدٍ عظيم، وهي فكرة أوافق عليها تماما.
إذ بحُكمِ عمَلي في المدرسة الجزائرية كمعلِّمٍ، لمستُ تلك الصعوبة البالغة أثناء تحضيري اليومي للدروس التي ألقيها على تلاميذي الصغار، وتزداد تلك الصعوبة، عندما أبدأ التحضير بتلك المرحلة التي تضعها المنظومة التعليمية الجزائرية على رأس المذكِرة.
تلك التي تُسمى بـ: الوضعية الانطلاقية، وهي عبارة في الأساس عن أسئلة أو فكرة تمهيدية تجعل ذهن المتعلِّم يصعد على مصعد الدرس الذي ترغب في إلقائه.
بالفعل البدايات دائمًا أو غالبا ما تكون بالصعوبة التي لا يتوقَّعها الفرد، بل أعرف الكثير مِن المقرَّبين منِّي، يحلمون بالكثير مِن الأمور.
ومع ذلك إمَّا لا يحرِّكون ساكِنا لتحقيقها، أو ينسحبون عند الاصطدام بتكاليف المرحلة الانطلاقية أثناء صناعتهم لعادات جديدة، وهي عملية شبَّهها ستيفن كوفي بمعاكسة الجاذبية، إذ أنَّ الصواريخ التي تحمل الإنسان إلى الفضاء الخارجي تستهلك تقريبا نصف الطاقة التي تُزوَّد بها فقط عند انطلاقها مِن إحدى المراكز الفضائية.
3 تعليقات