قلَّما تحدث، لكنها حدثت، انتزاعُ لقب الهدَّاف من الداهية “رونالدو” البرازيلي كان عبارة عن حلم، ولكن في نسخة 2014 من كأس العالم، جاءَ لاعبٌ ألماني لا يعرفُ الاستسلام ولا الخسارة، كان على أهبةِ الاستعداد، سدد في المرة الأولى، وتصدى الحارس “جوليو سيزار” لكرته، ولكن إصرارهُ فاقَ التوقعات فقام بمتابعة الكرة المرتدَّة من الحارس فأسكنها الشِباك، حينها طغى صمتٌ رهيب في ملعب “المينيراو”، وكان صمتُ “رونالدو” البرازيلي في حُجرةِ التحليل أقرب إلى الكلام عند مشاهدتهِ تلاشي ما حققهُ من أرقام.
لقد كانت للاعب الألماني “ميروسلاف كلوزه” جرأة كبيرة بانتزاعه للقب الهداف التاريخي لكأس العالم. ولد ميروسلاف كلوزه في بولندا يوم 9 يونيو 1978، ولكن جنسيته ألمانية. ارتدى قميص بايرن ميونخ وفيردر بريمن وختم مسيرته في فريق النسور لاتسيو، وارتدى قميص المنتخب الألماني لأول مرة سنة 2001، كان مهاجما، يتوغل كالفارس المغوار، يسدد، يمرر، حركاتهُ تتعبُ المدافعين، لا يعرفُ إلاَّ طريق الشباك.
سجَّل “ميروسلاف كلوزه” خمسة أهداف في نسخة 2002 التي أقيمت في كل من كوريا الجنوبية واليابان، وفي نسخة 2006 التي نظَّمتها ألمانيا سجَّل 5 أهداف، ليحطم الرقم القياسي بتسجيلهِ لعشرة أهداف في نسختين متتاليتين، وفي 2010 سجَّل أربعة أهداف، ليُصبحَ الملاحق الرسمي في صدارة هدافي المونديال، وفي سنة 2011 أعلن الظاهرة “رونالدو لويس نازاريو دي ليما” الاعتزال نهائيا من عالمِ الساحرة المستديرة، حينها أصبح الطريق لكلوزه معبَّداً لاعتلاء صدارةِ الهدافين. استضافة البرازيل لكأس العالم في 2014، كان ميروسلاف كلوزه في المباراة التاريخية ضدَّ البرازيل على موعدٍ مع التاريخ، وكأنَّ الأقدار أبت وأنْ يحطِّم رقم رونالدو أمام الجمهور البرازيلي، أمطر المنتخب الألماني شباك المنتخب البرازيلي بسباعية أخرجت البرازيل من وراء الانتصارات التي كانت تختبئ وراءها، إلى جانب السباعية شَرِبَ كلوزه من ماء التاريخ ليصبحَ الهداف التاريخي دون منازع رغم أن الشيب بدأ يكسو شعره، حيث لَعِبَ نسخة 2014 وعمرهُ 36 سنة.
صراع التهديف بين رونالدو وكلوزه بدأت بوادرُهُ في 2002 عندما تصدر رونالدو قائمةَ الهدافين بـ 8 أهداف بالتمام والكمال، وكان يُلاحقهُ الشاب كلوزه بـ خمسة أهداف، دون أن ننسى أن رونالدو انتزع بدوره لقب الهداف من الألماني الآخر “جيرد مولر” يوم 27 يونيو 2006 بعد أنْ سجَّل هدفهُ الخامس عشر في تاريخ المونديال في مرمى النجوم السوداء (غانا).
بعد نهايةِ نسخة كأس العالم 2014، توجت ألمانيا بكأس العالم، وتوِّج “ميروسلاف كلوزه” بلقب الهداف التاريخي لكأس العالم، حينها اُعتبرت نسخة 2014 نسخة نهاية حِقبة، فاعتزل بعدها كلوزه، ليلحقَ بسابقيه. إن مدرب المنتخب الألماني “يواخيم لوف” استدعى كلوزه لكأس العالم وهو بعمر 36 سنة، هدفه من هذا الاستدعاء هو أن تحصد ألمانيا الأخضر واليابس، سواءٌ في الجوائز الجماعية أو الفردية. بعد اعتزال كلوزه وفي جعبته 16 هدفا في كأس العالم وتصدر قائمة الهدافين على مرِّ التاريخ، صارت أكتافه مرصعة بالأوسمة والنياشين، ليشتغل في الوقت الحالي في طاقم التدريب للمنتخب الألماني، لكي تستفيد الأجيال المقبلة من خبرته الدولية.
هناك لاعبٌ ألماني آخر يدعى “توماس مولر” الذي لَعِبَ أول نسخة في كأس العالم سنة 2010 وسجل خمسة أهداف ليفوز بأفضل هداف في تلك النسخة، وفي نسخة البرازيل 2014 سجَّل خمسة أهداف أخرى، ليُصبح على بُعْدِ ستة أهداف من معادلة رقم “كلوزه” التاريخي. فلقب الهداف التاريخي للمونديال ربما سيبقى منحصرا بين نجوم ألمانيا، لأنها تملك ما لا يعد ولا يحصى من المواهب القادرة على صنع الفارق وإحداث المستحيل.
لقب الهداف الأسطوري في تاريخ كأس العالم بدأ مع الألماني “يورغن كلينسمان” الذي سجل 11 هدفا، ثم المجري “ساندرو كوتشيس” بنفس رقم كلينسمان، مرورا بالماسة السوداء “بيليه” الذي تخطى حاجز 11 هدفا ليسجل 12 هدفا، ثم الفرنسي “جاست فونتين” الذي سجل 13 هدفا، ثم أتى الأيقونة الألمانية “جيرد مولر” وقام بتكسير رقم الفرنسي “فونتين”، صمد رقم “جيرد مولر” إلى أن جاء “رونالدو” البرازيلي واعتلى صدراة الهدافين. فكان ختامها ألماني آخر هو “ميروسلاف كلوزه”. هنا توقف عداد الأهداف، في انتظار نسخة روسيا القادمة لعلها تأتي بالجديد.