شاءتِ الأقدارُ وتهاطلتُ الكوارثُ على كتفِ منتخب الطواحينِ الهولندية، حيث في كلِّ مرةٍ يتلقون صفعةً غير متوقعة، ومن منا لا يعرف عدد النهائيات التي لعبها منتخب هولندا ولم يستطِع الفوز بأحدها. من يقول لك حدثني عن النَّحس والنَّكد والتعاسة فأَجِبْهُ بكلمةٍ واحدة “منتخب هولندا“.
في سنة 2010 قدَّم منتخب الطواحين مونديالاً رائعا بكلِّ التفاصيل، إذْ وصل به الأمر إلى إقصاء منتخب الأوروغواي الذي تمرَّد على جميع المنتخبات إلى حين أن جمعتهم تلك المباراة الحاسمة في نصف النهائي فكانت صرخةُ “آريين روبن” ومن معه أكبر من صوتِ “دييغو فورلان” وزملاءِهِ، فتأهلت هولندا عن جدارةٍ واستحقاق، ناهيك عن إقصاءِها لمنتخب السحرة (البرازيل)، حينها كانت البرازيل مدججةً بالنجوم اسم ينسيكَ في الآخر من “رونالدينهو” إلى “كاكا” والقائمة تطول، فكانت كلمة هولندا هي الحسم والحكمِ بالإحكام، فجعلتِ الجميع يصفِّق فرحاً وابتهاجاً بإقصاءِها لمنتخب تلو الآخر.
كانت الطريق شاقَّةً، فوصلوا إلى النهائي، نهائي الحلم، حلمهم تحقيق أولِّ لقب في المونديال وتحت أنظارِ “نيلسون مانديلا”. قبل المباراة الكلُّ رشَّح هولندا لصعودِ منصة التتويج، فبدأت المباراة فظهر “روبن” تائها في الملعب، ضيَّعَ أهدافاً بالجُملة، وبين فرحة “كارليس بويول” وحسرة “آريين روبن” كان هناك تصدٍ للقديسِ “إيكر كاسياس”. ضاعَ الحلم بتسجيل إسبانيا لهدفٍ قاتل، قتل به طموح الهولنديين، فوقف الملك “خوان كارلوس” فرِحا، وأنزل “روبن” رأسه حسرة، والدموع ملتهبةٌ في عينيه الغائرتين. هولندا منحوسة، هولندا متعوسة، هولندا لا تحزنِ فلن يستطيعَ أيُّ منتخبٍ تحقيقَ رقمكِ القياسي في التأهل إلى النهائي دون إحراز اللقب.
مرَّت أربعُ سنواتٍ مرورَ الكرام، فاحتضنت البرازيل مونديالاً جديداً، وآمال الهولنديين معلَّقةٌ على هذه النسخة، بدأت هولندا مشوارها في النهائيات بردِّ الصاع صاعين فدَّمرت إسبانيا بخماسيةٍ نكراء، مباراةٌ تلو الأخرى بدأت الترشيحات بالارتفاع والكلُّ راهنَ مرةً أخرى على هولندا، الزئبقي “روبن” عرف طريق الشباك في هذه النسخة، يسدد، يمرر، يسجل، يقوم بتوغلات كالفارس المغوار، سرعته في تسجيل الهدف الخامس ضدَّ إسبانيا بلغت 37 كيلوميتراً في الساعة، وهذا ما أرعب المدافعين والحراس بل حتى لجنة التحكيم.
وصلت هولندا إلى النصف النهائي، آخر عقبة هي الأرجنتين بقيادة سيد العارفين واللاعبين “ليونيل ميسي”، هولندا طحنت المعلب بعشبه وحكَّامِهِ دون إصابةِ الشباك، انتهى الوقت الأصلي والإضافي، واتجهوا إلى ركلات الترجيح، تألق “روميرو” فخرجت هولندا من الباب الضيِّق، فقطع الجميعُ الشكَّ باليقين أنَّ هولندا منحوسة ولا يوجدُ نحسٌ كنحسِ هولندا.
لا يوجد منتخبٌ لَعِبَ ثلاثة نهائيات دون التتويج ولو بلقبٍ واحد، ولكن هولندا لم تعانق أي لقب، رغم أدائها المُبهر، إلاَّ أن العبرةَ بالخواتيم.
لمْ تتأهل هولندا إلى نهائيات مونديال روسيا المقامِ في أرضِ الدببة، خرجت منهكةً، وأردتها السويد أرضاً، على إثرِ الإقصاء قرَّرَ “روبن” الاعتزال دولياً، ليترك شارة القيادةِ لجيلٍ صاعد، ربَّما يحقق ما لم يحققه سابقوه، فخرجت هولندا من حسابات المونديال، وسيفتقد الجميع متعة كرة القدم مع الهولنديين.
لا يوجد منتخبٌ لَعِبَ ثلاثة نهائيات دون التتويج ولو بلقبٍ واحد، ولكن هولندا لم تعانق أي لقب، رغم أدائها المُبهر، إلاَّ أن العبرةَ بالخواتيم. حتى مع “ماركو فان باستن” استطاعت هولندا التتويج بلقب أمم أوروبا فقط عام 1988، رصيدُ هولندا فارغٌ كفراعِ صحراءٍ قاحلة.